كلمة الدكتور الياس وراق رئيس جامعة البلمند في حفل تسليم النظم الجغرافية لبلدة أميون في بلدية أميون

25 أيلول 2021

حَضرَة رئيس اتحاد بلديات الكورة الأُستاذ كريم بو كريم المُحترم،
حَضرَة رَئيس بَلدية أَميون الأُستاذ مَالك فَارس المُحترم،
حَضَرات السَادة الكرام أَعضاء المَجلس البَلدي فِي أميون،
زُملائي في جَامعة البَلمند،
أيُها الحَفل الكَريم،

مُنذُ قُرابةِ الثَلاث سَنوَات، كَان لي شَرفُ تَسَلُّمِ رٍئاسةِ جَامِعة البَلمَند. جَامِعةٌ عَزيزةٌ عَلى أَهلِها وَطُلَّابِها، جَامعةٌ تَميَّزت بٍصمُودِها خِلال الحُروب والأَزمات العَصِيبة التي عَصَفت، ولَم تَزَل، بوطَنِنَا الحَبيب. فَبقِيَت هَذه الجَامِعةُ صَامِدةً، صَبورةً، خَلاَّقةً ومُتألِّقةً.

مُنذُ ذَلِك الحِين، أَطْلَقنَا وَرشةَ عَملٍ هَدَفُها إٍعلاء شَأنَ الجَامِعة الأًكادِيمي، وَتَطوِير مَناهِجِها العِلمِية. فَتبوَّأت المَرتَبة الثَانية بَين جَامِعات لُبنان بِحَسب تصنيف الـ QS Rankings العَالَمي، لِسنتَينِ عَلى التَوَالي، وَهِي الَجامِعة الأُولى ضِمن الجَامِعات التِي لا يَزيدُ عُمرُها عَن خَمسِين سَنَة.

كَذلِك سَعَينَا على التَأكيد عَلى دَور الجَامِعة الرَائِد فِي مُجتَمَعِها، وَذَلِك اقْتِناعَاً مِنَّا أَنَّ الجَامِعات لَيست مَصنَعاً لِتَوزِيعِ الشَهَادَات، وَلا مَركزاً لِمَنحِ فُرَصَ عَمَلٍ، وَلَا ِمنبَراً لِلحَمَلاتِ الإِنتِخَابٍية، أو مَرفَقاً لِغاياتٍ سِياسِيّة.

إِنَّ الجَامِعات يَجِب أَن تَكُون وَتَبقَى رَمزاً لِلثَقافةِ وَالعِلمِ، وَمربَعاً لِلحُريةِ، وَمُنتَجَعاً لِلحِوارِ البَنَّاءِ،
فَفِيها يَجِب أَن نَتَعلَّم أَن لَا نَخَاف مِن أَن نُفكِّر،
وَفِيها يَجِب أَن نَتَعلَّم كَيفَ نَختَلِف فِي الرَأي دُونَ أَن نَختَلِف فِي الوَطَن وَعَلى الوَطَن. وفيها يَجِب أَن نَتَعلَّم كَيفَ نَتَقَبَّل الآخَر وَنتَعَايَشَ مَعَهُ، سَواءَ اختَلَفنَا فِي الدِينِ أَو فِي السِياسَة.

فِيهَا يَجِب أَن نَتَعلَّم وَنُعلِّم أنَّ الأَديان تُقرِّب البَشرَ مِن خَالِقِهم، وَتَقُودُهم إِلى الطَرِيقِ المُستَقِيم، وتُرشِدَهم عَلَى استِقَامةِ الرَأي. فإنَّ الله الرَحمن الرَحيم هو نَفسُهُ أبانا الذي في السَماوات.

فِي الجَامِعاتِ، يَجِب أَن نُعلِّم أُسُسَ العَيشِ المُشتَرك، وَمَبادِئ الوَطَنِية، وَمَحبَّةِ الوَطَن. فالأوطان لا تُباعُ ولا تُستَبدَل، وهِيَ لَيست أماكِنَ تَرفيه واستِجمام نترُكُها متَى نَشاء لِنعودَ إِليهَا متَى نُريد. وذلك لإِنَّ الأوطان تُبنَى بإِرادةِ شُعُوبِها وتَستَمِر بِعلمِ شَبَابِها.

فَالجَامِعات هِي رَحَمُ الثَورَاتِ التِي لا تُسرَق، وَهِي مَنجَمُ العُقُولِ التِي عَلينا أَن نُحافِظَ عَلَى نَظَافَتِها، فَلَا تَتَلوَّثَ بِفَسادِ المَالِ، ولا تُشتَرى بِعنجَهيَّةِ المَنَاصِب، وَلَا تُقمَع بِالدِكتَاتُوريَّاتِ العَقِيمَة.

فِي الجَامِعاتِ، وَفَقط فِي الجَامِعاتِ، نَتَجَنَّب مَا نَحنُ فِيه اليَوم فِي هَذَا الوَطَن الجَرِيحِ العَلِيل.

فَعِلمُ الجَامِعَاتِ هُو الدَواءُ لِأمراضِ الفَسادِ، والهَدرٍ، والَلاكَفاءَة، وَعِلمُ الجَامِعاتِ هُو مَن يَرسُم البُوصلَة الصَحِيحَة لِوضعِ الشَخصِ المُناسِب فِي المَكانِ المُناسِب. وَعِلمُ الجَامِعاتِ هُو مَن يَشفِي النَاس مِنَ الجَهلِ والتَعَصُّبِ وَالإٍنحِرافِ.

هَذِه هِي الجَامِعات التَي نَرقى أَن نَصِل إِليهَا، وَهذِه هِي جَامِعةُ البَلَمند التِي نَصبُو أَن نَجعَلَها بِمَصافِ الجَامِعاتِ القُدوَة فٍي كُلِّ مَا ذَكَرناه سَابِقاً.

إٍضافَةً إِلى ذَلِكَ، تَلعَبُ الجَامِعاتُ دَوراً مِحوَريّاً فِي إِنمِاء وَتَطوير المُجتَمَعاتِ الَتي تَتَواجَد فِيها. وَهَذا تَحدِيداً مَا قَامَت بِه جَامِعةُ البَلَمَند مُنذُ بِدَايةِ الأَزَمات المُتَلَاحِقة الَتِي نُكِبنَا بِها وَلا نَزَالُ نَعِيشُ ذُيُولَهَا. فَلَقَد كَانَت جَامِعةُ البَلَمَند مِن الجَامِعَاتِ القَلَاِئِلِ التِي وَقَفَت إلِى جَانِبِ حُريَّةِ طُلَّابِهَا، وَشَجَعَّتَهُم عَلى التَعبِير عَن رَأيهٍم بَأَرقَى الَوسَائِلِ، وَضِمنَ حَرَمِها الجَامِعي فِي تِلكَ الفَترة التي بَدَأَ فِيهَا حِراكُ الشَبابِ المُنتَفِض عَلى وَاقِعٍ مريرٍ ذَلِيل يَعيشونه في بلدٍ يَدَّعِي حُكَّامَه الِعلمِ وَالمَعرِفة وَالحَضَارَة.

وَكَذلِك الأَمر مَع بِدَايةِ جَائِحة الكُورُونا، إِذ قَامَت جَامِعةُ البَلَمَند بإٍنشِاءِ مَركَزٍ لإِجراءِ فَحصِ الـPCR مَجاناً لِكُلِّ مَن يَرغَب. وَاِستِكمَالاً لِهَذا التَوَجُّه، قُمنَا بِإنشاء مَركزِ التَلقِيح الذي تَمَّ تصنِيفُه مِن أَهَمِّ المَراكِز فِي لُبنان وَالذِي مِن خِلالِه حَازَت جَامِعةُ البَلَمند عَلى جَائِزة تَقدير مِن اتِّحاد المُستَشفَيات العَرَبِيّة.

وَتمَاشِياً مع ما سبَق، هَا نَحنُ اليَوم في حَفلِ تَسلِيم نُظُم المَعلُومات الجُغرافية لِبلَديَّة أميون الذي عَمِلَ عَليها مَركَز نُظُم المَعلُومات الجُغرافية فِي كُلية الهَندَسَة.

كَما لَم تَبخَل جَامِعةُ البَلَمَند بِتَقديم المُساعَدات التِي مُنِحَت لَها، فَقَامَت بِمُشارَكةِ مُجتَمَعِها المُحِيط بِها بِكُل مَا يَلزَم لِلتَخفِيف مِن وَجَعِ أَهلِها وَمَآسِيهِم.

نَعَم هَذِه هِي جَامِعةُ البَلَمَند التي نُريد وَالتي تُرِيدُون.

نَعَم هَذِه هِي جَامِعةُ البَلَمَند التِي تَلِيقُ بِلُبنان بَلَدِ الحَضَارة والعِلم، كَما تَلِيق بِمنطَقةِ الكُورة التَي تَمتَازُ بإِثنين: بِكونٍها حاضِنةً لِشَجَرةِ السَلامِ وَمِنبَراً لِلمَعرِفة.

أَخِيراً، أَتمَنَّى أَن تَبقَى هَذه الجَامِعةُ فِي عَقلِ وَقَلبِ كُلٍّ مِنكُم لِنحفَظَها بَعيدةً عَنِ التَجاذُباتِ والمُهاتَراتِ والنِزاعَات، فَتبقى مَنارةً لِلعِلمِ وَالتَميُّز.

نَعَم نُريدُها دَواءً لِمرضٍ شَخَّصَهُ جُبران خَليل جُبران مُنذُ مِئةِ عَامٍ بٍقَولٍهِ: "وَيلٌ لِإمّةٍ سَائِسُها ثَعلَب، وَفَيلسُوفُها مُشعوِذ، وَفنُّها فَنُّ التَقليدِ والتَرقِيع".

فَنحنُ سَوفَ لَن نَرضَى بِالثَعلَب، وَفيلسُوفُنا هُو رَجُلُ عِلمٍ، وَفَنُّنا فَنُّ الرُقيِّ والإِبدَاع.

عُشتُم وَعَاشَت أَميون بِعِلمِها وَأًهلِها ونَهضَتِها،

عَاشَت البَلَمند، نَبَضَ الكُورةِ الخَضراءِ وجَامِعةُ شَبابِ لُبنانَ الغَد،
وعاش لبنان بلد الأَرزِ الخالِد، والشَعبِ الصَامِد، بَلَدَ الفِكرِ والحُريَّةِ والاِنفِتَاح. ​


​​​​​