كلمة الدكتور الياس وراق رئيس جامعة البلمند في احتفال خريجي جامعة البلمند في دبي

27 تشرين الثاني 2021

صاحب السمو الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش في دولة الإمارات العربية المتحدة، نيابةً عنه سعادة الشيخ محمد بن نهيان بن مبارك آل نهيان،
صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق،
سعادة سفير لبنان في دولة الإمارات العربية المتحدة الأستاذ فؤاد دندن،
سعادة سفراء الدول الشقيقة والصديقة في دولة الإمارات العربية المتحدة: سوريا، اليونان، رومانيا، صربيا، والمجر،
سعادة الأستاذ عساف ضومط قنصل لبنان العام،
السادة أعضاء مجلس أمناء جامعة البلمند،
أصدقاء الجامعة في دولة الإمارات العربية المتحدة،
ضيوفنا الأعزاء،
خرّيجونا الأحباء،
أيها الحفل الكريم،

يُسعِدُني اليوم ويُشَرِّفني أن أكونَ في حضرَتكُم بعدَ مضي سنتين على غيابٍ قسري فرضَهُ وباءُ كورونا الذي غيَّرَ نمطَ الحياة التي كُنَّا نعرِفُها فإِذ بنا نَعيشُ بِمعاييرٍ لم نَشْهَدها مِن قَبل، ولم نَحلم حَتَّى أنْ نَحيَاهَا.

في هاتينِ السنتينِ عانى العالمُ الكثيرَ الكثير، فازدادَ بؤسُ البشر، وكثُرَت مآسِيهم، وتفاقَمَت آلامُهُم.

ولكن مَع كل مأساةٍ نُؤمنُ أنَّ الرَجاءَ باقٍ، وأنَّ الحياةَ سَتستمِر، وأنَّ غايةَ هذه المآسي أن نتَعَلَّم مِنها ما يُصلِحُ حياتَنا ويُصوِّبُ عيشَنا، لِنَسترجعَ ما فَقدنَاه من إنسانيتِنا في عالمٍ باتتَ تحكمُهُ المصالح، وتَتَحكَمُ بهِ الأنانيَّات، ويَزدادُ فيهِ الشرّ والرَذيلة.

في هَذا العَالم، ما أَحَوجنا إلى مَن يُعيدُنا إلى صَوابِ العَقل، ورَجاحةِ الفكر، ويَقظةِ الضَمير.

في هذا العَالم، نَحنُ نَحتاجُ إلى قادةِ تَسامح ومَحبَّة، إلى رُعاةِ سَلامٍ وَوِئام، إلى رِجالِ علمٍ وانفِتاح.

مِن هنا جاءَ هذا الحَفل لِيُثبِّتَ إيمانَنَا بِمبادئِ الإنسانيّةِ الحَقَّة، وهي تَتمَثَلُ اليَوم بِوجودِ شَيخٍ جليلٍ رَاعياً لهذا الحَفل، هو أيقونةٌ في التَسامُح، وبَطريركٌ نبيلٌ هو مثالٌ في المَحبَّة.

اجتِماعُنا اليوم يُثبِّتُ ما نُؤمِنُ بِه في أنَّ الخَلقَ كلّهُم عِيالُ الله. وأنَّ الله وَاحِدٌ أحد. وهو نفسُه أَبانا الذي في السَمَاوات.

نَحنُ هنا اليوم لِنقولَ للِعَالم أنَّ الأَديانَ وُجِدَت لِتجمعَ الناسَ وتُلهِمَهُم على فِعلِ الخَير، وترشِدَهُم إلى السِراطِ المُستَقيم.

نَعم برغمِ كلِّ ما شَهِدناهُ ونَشهدُهُ من مَظالمٍ، ومَآسيِ، وَمصاعِب، وآفَات، يَبقى الأملُ بالإِنسان. الإِنسان الخلّاق، والمُبدِع، والمُنتِج. الإنسان التوَّاق إلى العلمِ والمَعرِفة. الإِنسان الذي يَمدُّ يدَه لِمساعدة من يَحتاج المُساعدة. وهذهِ المَبادِىء الإِنسانيّة إنَّما تَنطَبق على دولٍ يَرعاها مَن يُؤمِن بِهذه المُسَلَّمات. وهَذا مَا نَشهدُهُ اليَوم في دَولة الإمارات الشَقيقة التي تُمثِّل كل ما يَتطلَّع إليهِ الشَباب، وَيَحلُمونَ بإِنجِازه، ويَصبونَ إلى إِدراكهِ.

فَهذا البَلد العَزيز لم يَبخَل يَوماً بمدِّ يَدِ العَونِ لِلعالم أَجمع، وَلِلبنان واللُبنانيين بالأخصّ. فَفي أَحلكِ الظُروف، وأشدِّ الأَزمات، بَقيَت الإمارات مَصدرَ العَونِ لِكلِّ من احتَاجَ المُساعدة، وأَرض الأحَلام لِكلِّ مَن اجتَهدَ لِتحقيقِ أَحلامِه.

وَخيرُ دليلٍ عَلى ذَلك، وُجودنا اليَوم بَينكم، بَين رِجال عِلمٍ، وَعَمل، وأَصحَاب فِكرٍ وثَقافة، مِن بَينهم خِرِّيجي جَامعة البَلمند الذين نَفتَخرُ بِوجودِهِم كَرُسلِ مَحبّةٍ وسَلام، وسُفراء عِلمٍ ومَعرِفة.

نَعم مَآسينا كَثيرة، ونَعم خَطايانا كَبيرة، ونَعَم آفَاقنا مُتلَّبدة، ولَكن يَبقى الأَمل بِمِثلكم وبِما تُمثِّلون.

يَبقى الأَمَل بِشبابٍ يَنبذُ الفَساد وَيَكرهُ الجَهل وَهذا مَا نَصبو للحِفاظِ عَليه في جَامِعتنا العَزيزة. فَنحنُ نُؤمِن أنَّ العِلمَ هُو عِلاجٌ لأمراضِ الجَهل والتَطرُّف وَهو الدَواء لِغَطرسةِ الإِنسَان وتَكَبُّرِه، وَهو الأَساس فِي خَلقِ إنسانٍ صَالِحٍ لوطنٍ صَالِح لاسِيما في وَطنٍ تَمتَلىءُ صُدورُ أَبطَاله بِالرصاص، بَينَما تَمتلىءُ بُطونُ الخَونة بِالأَموال، ويَموتُ مَن لا يَستحِّق المَوت عَلى يدِ مَن لا يَستحِقّ الحَياة كَما قال مَحمد المَاغوط.

فَنحنُ في جَامعة البَلمند نَسعى أَن نَخلقَ الإِنسانَ في الإِنسان، ونَجعلَهُ يُؤمِن أنَّ لا قِيمةَ لِلعلم بِلا الإِنسَانيَّة، وأنَّ لا مَعنى لِلمَعرفةِ بِلا قِيَم.

هَدَفُنا أَن نَجعَلَ النَاس تَحيا بِمخافةِ الله وأَن تُجهِرَ بالحقِّ ، وتَرذُل البَاطِل.
لِذلك في هَذه الظُرُوف الحَالِكة رَفَضنا إِلّا أن تَكونَ الجَامعة المِثال الذي يَجِب أن يُحتذى بِه في ظِلِّ الأَزَمات. فَبِالرغم مِن الضَائِقة الإقتِصاديّة القَاتِلة والأَزمة المَعِيشيّة الخَانِقة، والوَضع المَاليّ المُتأزِّم الذي يَعصفُ بِلُبنان واللُبنانِيين، قرَّرَت الجَامعةُ أَن تَتَحمَّل وَحدَها هَذه الأَعباءِ المَاديّة لِمدّةٍ تَزيد عَن السَنة وَالنِصف، دونَ تَحميل ولَو جِزءٍ مِنها لِطُلابها أو أساتِذَتِها أو مُوظَفِيهَا، وَذلك انطِلاقاً مِن قَناعاتِنا الأَخلاقيّة وَشُعورِنا بالمواطَنة، وَواجِبِنا تِجاهَ أَهلِنا ومُجتَمعِنا بإيجادِ الحُلولِ لا بإِلقَاء التَبِعَات عَلى مَن لَا ذَنبَ لَهُم.

فَإِننا نُؤمِن أَنَّ الجَامعات وُجِدَت لِتستَثمِرَ كُل مَا تَملِك مِن إِمكانيَّاتٍ ماديّة وَغَيرِها في عُقولِ مَا تَصنَعه مِن الرِجال. وكَم نَحنُ بِحاجةٍ إلى هَكذا رِجال لاستِنبَاطِ حُلولٍ لِما اقتَرَفته أَيادي حُكّامٍ يَائِسين، بَائِسين، يُتقِنونَ الهَدرَ ويَمتَهِنونَ الفسَاد. حُكّاماً نَامَت ضَمائِرُهُم، هَذا إِنْ وُجِدَت، وارتُهِنَت كَرامَاتِهم، إِنْ كانوا يَمتلِكون ذَرّةً مِنها. فَكأنِّي بِجُبران خَليل جُبران يُوَصِّفهم مُنذ 100 عَام حِين كَان يَرثِي أُمّةً "سَائِسُها ثَعلب، وفَيلَسوفها مُشعوِذ، وَفنُّها فَنُّ التَرقيع والتَقلِيد."

وهُنا دَورُنا أَن نَعِدكُم ونَعِد شَبَابنا، أنَّنا سَوف لَن نَرضى بِالثَعلب، وفَيلسُوفنا هُو رَجلُ علمٍ وَمعرِفة، وَفنُّنا هُو فَنُّ الإِبدَاع والتَميُّز.

أَخِيراً أَودُّ أَن أَتوجَّه بِالشُكرِ لِكلِّ مَن شَرَّفَنا بِحُضورِه وَلِكلِّ مَن سَاعَدَ بِإنجاحِ هَذا الحَفل، وآمنَ بِما نؤمِن بهِ مِن أَهميةٍ لِلعلمِ وَالثَقافةِ والمَعرِفة. فأنتُم مَن يُمَثِّل بَلدَ الأَرزِ، فَبِكُم نَفتَخِر، وبِكُم نَعتزّ لأنَّكم أنتُم لُبنان الغَد، وأَنتُم أَملُ المُستَقبل.



عُشتُم، عَاشَت دَولة الإمارات مَنارةً مُشرقة.
عَاشَت جامعة البلمند مِنبراً للعِلمِ والمَعرِفة.
وعَاشَ لُبنان خَالداً بِأَرزِه، وصَامِداً بِشَعبِه.


​​​​​